الراي نيوز- فهد الخيطان
تعديلات المناهج التي فجّرت نقاشا ساخنا في المجتمع، ودفعت بمعلمين وطلاب إلى التظاهر وحرق الكتب الدراسية في مشهد مؤسف، هي نموذج على سياسة الجزر المعزولة التي تحكم عمل المؤسسات في الأردن، وغياب التنسيق بينها.
فبينما كانت لجنة ملكية تعكف على وضع استراتيجية متكاملة لإصلاح قطاع التعليم العام في الأردن، ضمن خطة شاملة تمتد لعقد من الزمن، وتشمل مراحل التعليم الأساسي وصولا إلى الجامعي، قامت لجان خاصة في وزارة التربية والتعليم بمراجعة بعض مناهج الصفوف الأساسية، وأدخلت عليها تغييرات عشوائية وشكلية، لم تحقق سوى غاية واحدة، وهي استفزاز فئات اجتماعية وجدت في التعديلات تعديا على الثوابت والقيم الدينية والوطنية للمجتمع.
هكذا جرى تصوير المسألة. وراج هذا الانطباع، فتحول إلى حقيقة يصعب دحضها، لأن التعديلات اختزلت المشروع الطموح لإصلاح التعليم بعناوين وصور شوّهت المشروع الإصلاحي، ووضعته في تعارض مع القيم الدينية والوطنية.
لم يكن هذا هدف اللجنة التي عملت لأشهر طويلة على تطوير استراتيجية شاملة للنهوض بالتعليم في الأردن. فقد انصبت الجهود على وضع خطط لتنمية مهارات المعلمين، وتطوير المناهج على نحو يمنح طلبتنا فرص المنافسة العالمية، وتجاوز ثقافة التلقين لصالح منهج التفكير الحر وتوسيع المدارك، واختبار الأفكار النظرية بالتجربة والممارسة، إضافة إلى تطوير الامتحانات وبيئة المدرسة، والتوسع في التعليم المبكر، قبل أن تنتقل الاستراتيجية لمعالجة معضلات التعليم العالي، واقتراح الحلول لها.
كان ينبغي على الحكومة والمعنيين في وزارة التربية والتعليم، الامتناع تماما عن إجراء أي تعديل على المناهج لحين إقرار الاستراتيجية واعتمادها من قبل الحكومة، والتي اعتمدتها بالفعل قبل نحو شهر، وشكلت لجنة لمتابعة تنفيذها.
لكن، وبسبب سياسة الجزر المعزولة، أو ربما لأهداف أخرى لا نعلمها، طرحت "التربية" مناهج معَدّلة لبعض الصفوف، خارج السياق المرسوم في الاستراتيجية، ومن دون مراعاة للبرامج الزمنية المرفقة بها.
ماذا كانت النتيجة؟
ضجة واسعة في البلاد، انتقلت تدريجيا إلى الشارع كحركة احتجاجية، رافقتها حملة اتهامات وافتراءات على الدولة والحكومة، بوصفهما عدوا يحارب الدين. وبالنتيجة، شيطنة خطط إصلاح التعليم، ووضعها في خانة المؤامرة على ثوابت الأمة!
كان الارتباك واضحا على المسؤولين منذ البداية. وحتى الوزير بدا متفاجئا من التعديلات، وغير مطلع عليها. حاولوا في البداية رد الاتهامات. ثم، وتحت الضغوط المتواصلة، تقدموا للرأي العام ببيان مطول يدحض الاتهامات. وأخيرا، قرروا تكليف لجنة متخصصة بمراجعة التعديلات. وبالأمس، صرح أحد أعضاء اللجنة أن بعض الانتقادات الموجهة للمناهج المعدلة محقة!
وفي غياب رد الفعل المنسق من الحكومة، تدحرجت المشكلة، وتحولت إلى أزمة في الشارع، لا يملك طرف رسمي حلا لها. فالسؤال اليوم: كيف نقنع الطلبة والمعلمين بالعودة إلى الصفوف، بعد أن بلغت بهم الحال حد إحراق الكتب؟
ثمة من يهمس خلف الكواليس الرسمية بالقول إن الأزمة تصاعدت إلى هذا الحد بفعل فاعل، ويدلل على ذلك بتحرك نقابة المعلمين وقيادتها غير المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين.
لكن أيا تكن الجهات المستفيدة من الأزمة، فما يهمنا حاليا هو أن لا تحرق استراتيجية إصلاح التعليم مع المناهج المعدلة في الشارع.
أما الأزمة الحالية، فمسؤولية إخمادها تقع على عاتق من أشعلها بقرارات مسلوقة.