الأمور في القاهرة ليست بهذه البساطة، فهناك حجم خطير من الألاعيب الحزبية والحكومية. وهناك تعتيم غير قليل من الفضائيات والإذاعات، رغم الرغي الذي تلبس مستمعيها ومشاهديها!!.
فالمشير الطنطاوي يقبل استقالة حكومة د. شرف ويقبل تأليف حكم اتحاد وطني!!. وذلك بعد اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وحزب جماعة الإخوان، والأحزاب التقليدية المصرية. أي ما يسميه المشير «باقتسام المسؤولية»، وهذا ما أثار غضب ثوار شباط الحقيقيين، الذين تجمعوا يوم السبت في شارع محمد محمود، وبمواجهة وزارة الداخلية.. وابتدأوا المعركة. وبكل ما تحمله الانتهازية من ذكاء وخبث تحرك الإخوان وتدفقوا هذه المرة على الميدان حتى لا يعطوا الثوار الشباب الانفراد «بمليونية».
حين تكون التظاهرة إخوانية فلا صدام مع الأمن المركزي، وحين تكون شبابية يحدث الصدام ويسقط القتلى وآلاف الجرحى!!.
طبعاً، الثوار الشباب يشعرون بأن «ثورتهم» تمَّ اختطافها، أولاً من العسكر ثم من الإخوان والسلفيين والوفد والتجمع وكل الأحزاب الجديدة.. التي لا يغيب عنها الحزب الوطني.. حزب مبارك!! وأنها لن تعطيهم من الانتخابات التي تبدأ الاثنين أي شيء, لانهم كتجمعات شعبية وقادة شباب غير معروفين لدى الناخب المصري. وهم الذين طلبوا من المجلس العسكري تأجيل الانتخابات «ليرتبوا تنظيماتهم»!!
مجموعة اخطاء عسكر مصر واخوانها, لم تتكرر في تونس. فالجيش التونسي بقي حامياً للاستقرار السياسي وليس حاكماً في المرحلة المفصلية كالمجلس الاعلى المصري. واخوان تونس مارسوا اقصى درجات الشراكة مع الاحزاب العلمانية والمدنية.. فاقتسموا السلطة في المرحلة المفصلية باقتسام الرئاسات الثلاث: الجمهورية, والحكومة والبرلمان. وهذا ما لم يصل اليه اخوان مصر الذين برعوا في الندوات التلفزيونية في كسب صفة الاعتدال, لكنهم لم يمارسوا هذه البراعة في التعامل مع احزاب مصر, وخاصة مع «شباب الثورة». فهم مستعدون دائماً للتحالف مع العسكر. فعلوا ذلك عام 1952, وفعلوا ذلك في تحالفهم مع السادات ضد الناصريين, وفعلوا ذلك مع مبارك ذاته حين اعطاهم 80 نائباً في آخر مجالس شعبه, لقاء تكميم افواه المعارضات التي أخذت تهز النظام برفضها العلني للتوريث، وبكسبها لأوساط معينة في واشنطن.
جيش مصر وعسكرها فشلوا في اجتياز الجسر بين الثورة والدولة: بين إزالة الجمود والديكتاتورية، واتاحة فرص الحرية والديمقراطية التي يغلي بها المجتمع المصري، فتحول عسكر مصر من حماة التقدم إلى عبء عليه.
أما جيش تونس فلم يظهر على مسرح الأحداث، وترك للحراك الشعبي أن يستقر، وللانتخابات ان تفرز القوى الحقيقية المتصالحة المتشاركة، وانسحب إلى معسكراته، دون أن يقدم أية «تضحية» أو يحصل على أية «مكافأة»!!.