بعيداً عن معركة الاتحاد الأوروبي الضارية لإنقاذ اليونان وإيطاليا من الإفلاس، ثمة صراع أكثر خطورة يلوح في أفق الاتحاد: لقد بات مهدّداً بالانقسام إلى شطرين، الأول يحدّد السياسات الاقتصادية للقارة، والثاني يُصبح ملزماً بأن يكون تابعاً. 
يوم الأربعاء الماضي، حذّر نائب رئيس الوزراء البريطاني نيك كليغ الدول الـ27 المنضمة إلى الاتحاد، من مغبّة إنشاء نادٍ داخل النادي في خضم الانشغال بالحفاظ على عملتهم. ملاحظة كليغ تأتي بعد يومين من الاجتماع السري الذي عقدته دول «اللايورو» العشر، في وقت كانت دول منطقة اليورو تكافح من أجل الحفاظ على عملتها وإخراج اليونان من أزمة ديونها. 
لقد كان اجتماع «الخارجين» بمثابة إنذار صريح بأن دول الاتحاد الأوروبي التي لا تعتمد اليورو ستُكافح من أجل مصالحها، في وقت تعمل أوروبا على الخروج من أزمة ديونها السيادية. 
في الواقع، يقتضي المنطق الطبيعي للأمور أن تهبّ الدول الـ27 للمساعدة عندما يصبح الاتحاد نفسه مهدّداً، ولكن أزمة منطقة اليورو وحاجتها للمزيد من السيطرة على أزماتها ومواردها المالية لإنقاذ عملتها، تجعلها أمام تحدٍّ بالغ الصعوبة. 
بريطانيا تتخوّف من الاندماج في منطقة اليورو، لأن سياسة فرنسا الاقتصاديّة تسمح لها بمواكبة توجه الدول المتزايد للانفتاح على الأسواق الحرّة، الأمر الذي يؤدي إلى استبعاد بريطانيا والسويد والدنمارك وبولندا.
 والأسوأ من ذلك، أي ما يخيف الجميع، هو تهوّر الطرفين في اتخاذ قرارات تخدم مصلحته من دون الأخذ بالاعتبار الضرر الذي قد يتسبب به للآخر. 
في الواقع، أعطى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي «خلاصة تفكيره»، خلال خطاب ألقاه أمام طلاب في مدينة ستراسبورغ، عندما قال إن «أوروبا يجب أن تمشي وفقاً لسرعتين، وهذا هو السبيل الوحيد للمضي قدما، لا سيما في ظل احتمال انضمام المزيد من الدول إلى الاتحاد الأوروبي».
وأضاف ساركوزي «إننا بحاجة للتحرك بحذر شديد، ولكن الحقيقة هي أننا في حاجة إلى تحديد قائمة بأولئك الذين لا يريدون أن يكونوا جزءا من النادي، وأولئك الذين ببساطة لا يمكن أن يكونوا جزءا». 
وفي حين أن أوروبا ذات السرعتين، التي أشار إليها ساركوزي، هي بالفعل حقيقة واقعة في كثير من النواحي، فهي تمثل إحباطاً لعدد من البلدان أمثال بولندا التي تأمل الانضمام إلى منطقة اليورو.
 وقد عبّرت بولندا عن مخاوفها مراراً من أن تخلق «سرعَتَي» أوروبا فجوة واسعة بين دول الـ17 ودول الـ 10.
وتعارض بريطانيا، من جهتها، بعناد، أي تحركات من شأنها خلق أوروبا ذات سرعتين، كما تعارض أي سياسات اقتصادية، فرنسية المصدر في الغالب، قد تؤثر سلبا على القطاع المالي في البلاد. وتبيّن ذلك في رفض كليغ الخطط التي تدعمها ألمانيا وفرنسا في فرض ضرائب على المعاملات الماليّة في أوروبا بحجة أن «هذه السياسة سيكون لها آثار فادحة في لندن».. 
ولنكن واضحين، لقد كشف اجتماع دول «اللايورو» كذلك عن واقع أن الدول «الخارجة» منقسمة على نفسها كما دول منطقة اليورو. فباستثناء بريطانيا والدنمارك، فإن الدول الأخرى ملزمة بالانضمام إلى نادي العملة الموحدة في نهاية المطاف. ورغم ان كثيرين قد استبعدوا هذه الفكرة في المرحلة الراهنة، ولكن أغلبهم ما زال يتمنى أن ينضم إلى ذلك النادي، ويشعر بالقلق من أن يُحتسب على الصف البريطاني، لا سيّما أن بريطانيا استبعدت من عضوية اليورو في المستقبل المنظور. 
 ستيفان كاستل - «السفير اللبنانية»