اثار إنشاء «وقفية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين/ الكرسي المكتمل لدراسة فكر الإمام النووي» بأمر من جلالته الاسبوع الماضي عدة تساؤلات حول ماهية كرسي الوقف؟ وما اهمية اختيار الامام النووي لتدريس فكره؟

وللاجابة عن هذه التساؤلات تحدثت $ مع وزير الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية السابق الدكتور عبد الناصر ابو البصل، الذي اكد ان اهمية وقفية جلالة الملك بانشاء كرسي وقفي لتدريس فكر الامام النووي وفقهه وكتبه تكمن في احياء انموذج علمي لأحد اعلام الاسلام وشيوخه، كالامام النووي، الذي يعد جامعة ومدرسة علمية كاملة، فهذا امام قدوة في السلوك والعبادة والعلم والفتوى وادابها وفي الجهاد والامر بالمعروف والدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وفي هذا العمل الوقفي التعليمي الكبير احياء لفقه الحديث والسنة النبوية والفقه الشافعي ومدرسته التي تكاملت حلقاتها فيما حرره الامام النووي في مصنفاته واعماله رحمه الله.

وتابع ابو البصل: «من وجهة نظري الاكاديمية البحتة ارى ان المؤمل من هذا الكرسي لمثل امام كبير كالنووي الذي امتد تأثيره من القرن السابع الهجري الى القرن الخامس عشر، وما بعده ان شاء الله ؛ سيمثل انطلاقة علمية فقهية ثقافية اسلامية تحيي طريقة المتقدمين في التأصيل والتدريس والتكوين العلمي باحياء النماذج الكبرى المؤثرة مثل الامام النووي ومنهجه وتلقيه العلم وما سطرته يداه في مختلف العلوم».

كما ان مواجهة ضعف الثقافة الاسلامية الاصيلة تكون باحياء فقه العلماء الكبار ومنهجهم، وأن مواجهة الانحراف الفكري تكمن باعادة المكانة لعلوم الائمة الكبار ومنهجيتهم التي لا تعرف التعصب ولا الانغلاق ولا الانحراف عن القرآن والسنة ومناهج العلماء الاثبات، وفق قوله.

اما عن كرسي الوقفية، اوضح ابو البصل انه يتضمن تعيين استاذ للكرسي وفق شروط الوقفية يتولى تدريس فكر الإمام النووي من خلال تدريس كتبه شرح صحيح مسلم وروضة الطالبين والأربعين النووية والأذكار ورياض الصالحين.

وبين أن الوقفية عبارة عن وقف نقدي يوضع في حساب استثماري، ومن ريع الوقف ينفق على الوقفية وبرامجها، ويتولى الإشراف عليها مجلس للكرسي حسب بنود الوقفية، ومعلوم في الفقه الإسلامي ان شرط الواقف كنص الشارع في الفهم والدلالة، ولهذا تطبق الشروط الواردة في الوقفية كما هي رغبة الواقف.

واوضح ابو البصل لمن يتساءل من هو الامام النووي وما هي مكانته العلمية، انها كانت في مجالات متعددة كثيرة، لكن أهمها أنه كان أحد محرري مذهب الشافعية، ويمثل مع الامام الرافعي مرحلة نضج وتحرير المذهب، واذا ذكر مصطلح الشيخان في الفقه الشافعي فالمقصود بهما الرافعي والنووي؛ فالنووي ليس مجرد شارح أو مصنف لكتب المذهب بل هو مجتهد في المذهب وصاحب قول معتبر.

واضاف ابو البصل «لا اكون مبالغا اذا قلت أن الامام النووي يأتي في مرتبة الغزالي والرازي والرافعي بل يتقدم عليهم في عملية تحرير المذهب الشافعي، فكتاب النووي المسمى بالمنهاج اصبح هو الكتاب المعول عليه باعتباره متنا محررا لفقه المذهب، وكتابه المجموع هو الشرح المفصل لكتاب الشيرازي المهذب وفيه فقه مقارن لجميع المذاهب مع الادلة والترجيح والمناقشة العلمية المنهجية».

أما في الحديث الشريف وعلومه، فللامام النووي مكانة عظيمة على مستوى التخصص الدقيق وعلى مستوى الثقافة الحديثية لجميع الناس، وليس المتخصصين في علوم السنة فقط، ويهمني اليوم ان اشير الى كتاب رياض الصالحين الذي لا يخلو منه بيت من بيوت المسلمين، وفق ابو البصل.

واستطرد قائلا: «هذا الكتاب عبارة عن جمع ايات واحاديث صحيحة مرتبة ترتيبا دقيقا مفيدا في مجالات العبادات والاداب وشؤون الحياة، وقد كتب لهذا الكتاب (رياض الصالحين) من القبول والانتشار بين الناس ما لم ينله كتاب فقه او حديث آخر، ولهذا ينصح كل مسلم يريد قراءة كتاب في مصادر الثقافة الاسلامية ويحتوي على نصوص من القرآن والسنة النبوية سهلة التناول لجميع الناس فعليه برياض الصالحين». والحديث عن رياض الصالحين وشهرته لايقل عن الحديث حول شهرة كتابه الاذكار الذي انتشر في جميع انحاء العالم الاسلامي، وترجم الى لغات متعددة، وكتاب الاذكار من عنوانه يعلم انه متخصص في الدعاء والذكر الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في مختلف المناسبات وأيضا اذكار اليوم والليلة، والكتاب مثل سائر كتب الامام النووي سهل التناول، واحاديثه صحيحة ومنتقاة لتحقيق الغاية من تأليفه، وفق تعبيره.

أما كتابه «الاربعون النووية» فقد جمع فيه اربعين حديثا كل حديث منها يمثل قاعدة من قواعد الاسلام، بل ورد في بعض هذه الاحاديث انه يمثل ثلث الاسلام او ربعه، والمقصود ان هذه الاحاديث بمجموعها تمثل خلاصة شاملة للاسلام وقواعده واصوله، ولهذا عكف العلماء على هذه الاربعين بالشرح والتبيين وكتب لهذا الكتاب وشروحه الانتشار والقبول بل ان معظم كليات الشريعة ان لم نقل كلها تتضمن في مناهجها تدريس شرح الاربعين النووية لاهميتها المنهجية في تكوين الدارسين في كليات الشريعة، بحسب ابو البصل.

وتابع: «اذا قلت بأن طباعة هذه الكتب الثلاث لاتتوقف وكل كتاب منها حقق مرات كثيرة وطبع عشرات الطبعات وسيستمر طبعها للطلب المتواصل عليها وهذا يدل على قوتها وأهميتها ودقة مؤلفها وأن الله كتب له التوفيق والقبول فيما كتب وهي صدقة جارية له رحمه الى يوم القيامة».

وبين ابو البصل ان اهم ما تميز به الامام النووي الذي كان يلقب بشيخ الاسلام والمسلمين وبالعلامة والحافظ وامام الحفاظ وبمحرر المذهب وذلك لنبوغه وتميزه واجتهاده، فقد تميز بالعلم الغزير؛ كالفقه الاسلامي في مذهبه الشافعي والمذاهب الاربعة، والحديث الشريف والسنة النبوية وله مؤلفات مطبوعة معروفة مثل المنهاج في شرح صحيح الامام مسلم وكتابه الارشاد الذي اختصر فيه كتاب علوم الحديث لابن الصلاح ثم اختصر الارشاد بكتابه التقريب وهو كتاب في علوم مصطلح الحديث ذلك العلم المنهجي الدقيق الذي يتناول السنة النبوية وروايتها وانواع الحديث ودرجاته وتقسيمات علوم الحديث.

وفي علوم القرآن له التبيان في اداب حملة القرآن، وفي التربية والسلوك والتصوف والتزكية له مصنفات منها كتابه بستان العارفين ولو اردنا ان نتوسع في ذكر كل ما كتبه لطال بنا الحديث.

وعرف الشيخ النووي بالورع والزهد في الحياة، كما أنه رحمه عرف عنه القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقصته مع الظاهر بيبرس معروفة ولكن الامام النووي كان فقيها في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لاتفوته الحكمة ولا السياسة الشرعية ولا يجامل على حساب الدين وقيامه بالفتوى لاحقاق الحق وابطال الباطل لا لشهرة ولا لدنيا يريدها رحمه الله.

وولد الامام محيي الدين يحيى بن شرف الحزامي النووي سنة (631 هجرية 1233 للميلاد) في أسرة صالحة في بلدة نوى، التي هي من اعمال حوران في بلاد الشام وهي تتبع اليوم لمنطقة درعا في جنوب سورية، وبدأ في طلب العلم مبكرا فحفظ القرآن ومبادئ العلوم وظهرت علامات نبوغه وصلاحه منذ الصغر، فعرف باقباله على علوم الشريعة وانصرافه عن اللهو واللعب كما هو حال الفتيان عادة، لم يعمر الامام النووي كثيرا فقد توفي رحمه الله وهو شاب في الخامسة والاربعين من عمره.

يذكر انه سيتم من خلال الوقفية تدريس كتب الإمام النووي قراءة وشرحاً وفق برنامج يقره مجلس الكرسي وهي: شرح صحيح مسلم، ورياض الصالحين، والأربعون النووية، وروضة الطالبين، والأذكار.

وتهدف الوقفية إلى خدمة الفكر الإسلامي والدراسات الإسلامية من خلال إنشاء كرسي أستاذية لتدريس فكر الإمام النووي، في مسجد السلط الكبير وجامعة العلوم الإسلامية العالمية/كلية الفقه الشافعي

وكان جلالة الملك أمر في وقت سابق بإنشاء ثلاث وقفيات لدراسة أفكار الأئمة الغزالي والرازي والسيوطي، إذ تضمنت هذه الوقفيات إنشاء كرسي مكتمل لدراسة فكر الإمام الغزالي في جامعة القدس والمسجد الأقصى المبارك، وإنشاء كرسي مكتمل لدراسة فكر الإمام الرازي في الجامعة الأردنية وجامعة العلوم الإسلامية العالمية ومسجد الحسين بن طلال، وإنشاء كرسي مكتمل لدراسة فكر الإمام السيوطي في المسجد الحسيني الكبير . الراي